
الفصام: أعراضه، أسبابه وطرق علاجه
الفهرس
الفصام هو أحد الاضطرابات النفسية الأكثر تعقيدًا وتأثيرًا على حياة الأفراد والمجتمعات. غالبًا ما يبدأ في مرحلة الشباب أو المراهقة المتأخرة، ويُغيّر بشكل جذري طريقة تفكير الفرد، مشاعره، وسلوكياته. ورغم الصورة النمطية السلبية التي تحيط بهذا الاضطراب، فإن الفهم الصحيح والعلاج المبكر يمكن أن يحقق تحسنًا كبيرًا في حياة المصابين.
الفصام لا يعني “انقسام الشخصية” كما يُشاع، بل هو اضطراب عقلي مزمن يؤثر على قدرة الشخص في تفسير الواقع، ويُسبب مجموعة متنوعة من الأعراض، تتضمن الهلاوس، الأوهام، اضطراب التفكير، وتراجع في الوظائف المعرفية والاجتماعية. في هذا المقال، نستعرض بشكل شامل مفهوم الفصام، أعراضه، أسبابه، أنواعه، كيفية تشخيصه، طرق العلاج، والوقاية، بهدف توعية القارئ وتقديم فهم دقيق لهذه الحالة المعقدة.
مفهوم الفصام
الفصام هو اضطراب عقلي مزمن يصيب الطريقة التي يُفكّر بها الشخص، وكيف يشعر، ويتصرف. يظهر عادةً في أواخر مرحلة المراهقة أو أوائل العشرينات، ويُعد من أكثر الاضطرابات النفسية التي تتطلب متابعة مستمرة ودعمًا متكاملًا.
الشخص المصاب بالفصام قد يعاني من الهلاوس (سماع أو رؤية أشياء غير حقيقية)، الأوهام (معتقدات خاطئة لا تستند إلى الواقع)، وتشوش التفكير أو الكلام. كما يُلاحظ عليه الانسحاب من الحياة الاجتماعية، وصعوبة في أداء المهام اليومية، وقد تبدو عليه علامات البرود العاطفي أو اللامبالاة.
ورغم أن الفصام يُعد حالة مزمنة، إلا أن الكثير من المرضى يمكنهم تحقيق استقرار ملحوظ من خلال العلاج الدوائي، والدعم النفسي والاجتماعي المستمر.
أعراض الفصام
تتفاوت أعراض الفصام من شخص لآخر، لكنها تُصنف عادة إلى ثلاث مجموعات رئيسية:
- الأعراض الإيجابية: وتشمل الهلاوس (غالبًا سمعية، مثل سماع أصوات تتحدث عن الشخص أو إليه)، الأوهام (كاعتقاد الشخص بأنه مراقب أو مضطهد)، واضطراب التفكير (كالكلام غير المترابط أو القفز بين الأفكار بشكل غير منطقي).
- الأعراض السلبية: وتشير إلى انخفاض في بعض الوظائف الطبيعية، مثل انعدام الدافع، البرود العاطفي، الانسحاب الاجتماعي، صعوبة التحدث، وفقدان الاستمتاع بالحياة.
- الأعراض المعرفية: وهي تأثيرات على القدرات العقلية، مثل ضعف الذاكرة، قلة التركيز، وصعوبة اتخاذ القرارات أو تنظيم الأفكار.
غالبًا ما تظهر الأعراض تدريجيًا، وتُصبح أكثر وضوحًا مع الوقت، مما يجعل من الضروري ملاحظة التغيرات السلوكية في مراحلها المبكرة.
أسباب الفصام
- العوامل الوراثية: وجود تاريخ عائلي للفصام يزيد من احتمالية الإصابة.
- الخلل الكيميائي في الدماغ: خاصة في تنظيم الدوبامين والغلوتامات، وهما ناقلان عصبيان يؤثران في التفكير والسلوك.
- مشاكل أثناء الحمل أو الولادة: مثل نقص الأكسجين أو العدوى داخل الرحم، قد ترفع من احتمالية الإصابة لاحقًا.
- تعاطي المخدرات: مثل القنب (الحشيش)، خصوصًا في سن المراهقة، قد يُسرّع أو يُحرّض على ظهور الفصام لدى الأشخاص المهيئين وراثيًا.
- الضغوط النفسية والاجتماعية: مثل الصدمات العاطفية أو البيئات الصعبة خلال النمو، قد تسهم في تطور الأعراض.
- اضطرابات في تطور الدماغ: أبحاث التصوير الدماغي تشير إلى وجود اختلافات في بنية أدمغة المصابين مقارنة بالأشخاص السليمين.
أنواع الفصام
- الفصام المصحوب بأوهام: يتميز بوجود أوهام قوية ومسيطرة، مثل الشعور بالمراقبة أو الاعتقاد بامتلاك قوى خارقة.
- الفصام المصحوب بهلاوس: حيث تبرز الهلاوس السمعية أو البصرية بشكل رئيسي، دون أوهام واضحة.
- الفصام غير المنتظم: يتضمن سلوكًا وكلامًا غير منظم، وقد يُظهر الشخص مشاعر غير متناسبة أو لا تتلاءم مع الموقف.
- الفصام الكتاتوني: يظهر بشكل نادر ويتميز بحالة من الجمود الحركي أو التكرار الحركي غير الهادف.
- اضطراب فصامي عاطفي: يجمع بين أعراض الفصام وأعراض اضطرابات المزاج مثل الاكتئاب أو الهوس.
- الفصام الطفولي: نادر ويظهر قبل سن 13 عامًا، ويتميز بمسار أكثر حدة وتحديات تشخيصية كبيرة.
طرق تشخيص الفصام
يُشخّص الفصام من خلال التقييم النفسي المتعمق الذي يشمل مقابلة سريرية، وتحليل الأعراض، والتاريخ العائلي، والوظائف المعرفية والاجتماعية للمريض. لا يوجد اختبار معملي دقيق للفصام، لذلك يعتمد التشخيص على استيفاء المريض لمجموعة من المعايير المحددة في أدلة التشخيص النفسية، مثل الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5).
يشترط عادةً استمرار الأعراض لمدة لا تقل عن ستة أشهر، على أن تشمل على الأقل شهرًا من الأعراض الإيجابية الواضحة مثل الهلاوس أو الأوهام، مع وجود خلل في الأداء الاجتماعي أو الوظيفي. يمكن إجراء فحوصات أخرى مثل اختبارات الدم أو التصوير بالرنين المغناطيسي لاستبعاد الحالات الطبية الأخرى.
طرق علاج الفصام
- العلاج الدوائي:
- الأدوية المضادة للذهان هي حجر الأساس في علاج الفصام، وتساعد على تقليل الهلاوس والأوهام وتحسين التفكير.
- تشمل الجيل الأول والثاني من مضادات الذهان، ويتم اختيار الدواء بناءً على الأعراض والاستجابة الفردية.
- العلاج النفسي:
- يشمل العلاج المعرفي السلوكي الذي يساعد في تعديل الأفكار المشوهة وتعزيز المهارات الاجتماعية.
- العلاج الأسري ضروري لتثقيف العائلة وتقديم الدعم المناسب.
- برامج التأهيل المجتمعي:
- تهدف إلى مساعدة المريض على العودة للحياة الطبيعية، من خلال التدريب المهني، والتعليم، والدعم في إدارة الحياة اليومية.
- الدعم الاجتماعي المستمر:
- يشمل المتابعة المنتظمة، الدعم من الأخصائيين، والمشاركة في مجموعات الدعم للمصابين وأسرهم.
- العلاج السلوكي والتدريب على المهارات:
- مثل مهارات التواصل، حل المشكلات، وإدارة الضغوط.
طرق الوقاية من الفصام
لا توجد طريقة مؤكدة للوقاية من الفصام، ولكن يمكن تقليل مخاطر ظهوره أو شدته من خلال التدخل المبكر، خاصةً عند ملاحظة علامات تحذيرية في مرحلة المراهقة. التوعية بالمرض داخل الأسرة والمجتمع، والحد من تعاطي المخدرات، وتقديم بيئة داعمة نفسيًا واجتماعيًا، كلها عوامل مهمة في الوقاية.
الرعاية أثناء الحمل، المتابعة النفسية للأطفال والمراهقين المعرضين للخطر، وتشجيع سلوكيات الحياة الصحية مثل النوم المنتظم والتغذية الجيدة، تساهم في بناء مرونة نفسية تقلل من احتمالية الإصابة أو تعزز القدرة على التعامل مع المرض بشكل أفضل.
في الختام
الفصام ليس نهاية الطريق، بل بداية لرحلة طويلة تتطلب الوعي، الفهم، والدعم. رغم التحديات التي يفرضها هذا الاضطراب على المصابين وأسرهم، فإن العلاج المبكر، والرعاية المستمرة، والتكامل بين الجوانب الطبية والنفسية والاجتماعية، يمكن أن تُحدث فرقًا كبيرًا في حياة المصاب.
الفصام ليس ضعفًا في الشخصية، بل حالة طبية قابلة للعلاج. بالنظر إلى الإنسان لا إلى المرض فقط، وبمنحه الاحترام والرعاية، نفتح له بابًا للحياة المستقرة والكرامة والاندماج في المجتمع.