
الاكتئاب: مفهومه، أنواعه، أسبابه وطرق علاجه
الفهرس
في العقود الأخيرة، أصبح الاكتئاب واحدًا من أكثر الاضطرابات النفسية انتشارًا على مستوى العالم، حتى أطلقت عليه منظمة الصحة العالمية “السبب الرئيسي للعجز النفسي في العالم”.
ورغم شهرته، إلا أن الفهم الشائع للاكتئاب لا يزال مشوشًا بين اعتباره مجرد حالة من الحزن أو الكسل، وبين إدراكه كاضطراب نفسي حقيقي ومعقّد. الحقيقة أن الاكتئاب ليس ضعفًا في الإرادة أو مجرد مزاج سيء، بل هو اضطراب نفسي متعدد الأوجه، يؤثر على الطريقة التي يشعر بها الشخص، ويفكر بها، ويتصرف بها، ويمكن أن يؤدي إلى مشكلات نفسية وجسدية خطيرة إذا لم يُعالج بالشكل الصحيح.
في هذا المقال، نعرض للقارئ الباحث فهمًا شاملًا للاكتئاب، بدءًا من تعريفه، أعراضه، أسبابه، أنواعه، وصولًا إلى طرق التشخيص والعلاج والوقاية.
مفهوم الاكتئاب
الاكتئاب (Depression) هو اضطراب نفسي يصيب المزاج، يتميز بشعور دائم بالحزن، فقدان الاهتمام أو المتعة في الأنشطة اليومية، وتراجع في الطاقة أو التركيز، ويستمر لفترة طويلة نسبيًا — عادة أكثر من أسبوعين — ويؤثر على الأداء الوظيفي والاجتماعي للفرد.
هو أكثر من مجرد “حزن مؤقت” أو “ضيق نفسي”، فالاكتئاب يؤثر على التفكير، السلوك، المشاعر، وحتى العمليات الجسدية كالنوم والشهية. ويُصنّف ضمن اضطرابات المزاج، وتُقدّر منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 280 مليون شخص حول العالم يعانون من أحد أشكال الاكتئاب.
أعراض الاكتئاب
تتنوع أعراض الاكتئاب بين الجسدية والعقلية والعاطفية، وتختلف من شخص لآخر، فقد يشعر المصاب بالاكتئاب بحزن عميق لا يرتبط بموقف واضح، مع فقدان الاهتمام بالأشياء التي كانت تثير المتعة سابقًا.
تتراجع طاقته، ويجد صعوبة في التركيز، وقد يعاني من اضطرابات في النوم (إما أرق أو نوم مفرط). يتغير نمط الشهية، فإما يفقد الشهية كليًا أو يأكل بشراهة. تتكرر الأفكار السلبية حول الذات، والشعور بالذنب أو انعدام القيمة، وقد تصل إلى التفكير في الموت أو الانتحار.
جسديًا، قد تظهر آلام غير مفسّرة في الرأس أو المعدة، والشعور بالإرهاق المستمر دون سبب عضوي واضح. وفي حالات الاكتئاب الشديد، يصبح أداء الشخص في العمل أو المدرسة شبه معدوم، وقد ينعزل اجتماعيًا، ويبدو بائسًا حتى في تواصله غير اللفظي.
أسباب الاكتئاب
تتنوع أسباب الاكتئاب، وتشمل عوامل بيولوجية ونفسية واجتماعية، من أبرزها:
- الوراثة: وجود تاريخ عائلي للإصابة بالاكتئاب يزيد من احتمالية الإصابة.
- كيمياء الدماغ: اضطرابات في النواقل العصبية مثل السيروتونين والنورأدرينالين.
- الصدمات النفسية: مثل فقدان شخص عزيز، الطلاق، أو الاعتداء النفسي أو الجسدي.
- الضغوط المزمنة: كالفقر، البطالة، أو الحياة في بيئة صراعية.
- الإصابة بأمراض مزمنة: مثل السرطان، أمراض القلب، أو الألم المزمن.
- الهرمونات: خاصة بعد الولادة أو خلال الدورة الشهرية أو انقطاع الطمث.
- تعاطي المخدرات أو الكحول: يزيد من احتمالية حدوث نوبات اكتئاب.
- ضعف المهارات النفسية والاجتماعية: مثل ضعف القدرة على حل المشكلات أو طلب الدعم.
أنواع الاكتئاب
الاكتئاب ليس نوعًا واحدًا، بل يشمل طيفًا من الحالات تختلف في الأعراض والحدة، أبرزها:
- الاكتئاب الشديد (Major Depressive Disorder)
- الاكتئاب المزمن (Persistent Depressive Disorder – Dysthymia)
- الاكتئاب الموسمي (Seasonal Affective Disorder)
- الاكتئاب ما بعد الولادة (Postpartum Depression)
- الاكتئاب الذهاني (Psychotic Depression)
- الاكتئاب ثنائي القطب (Bipolar Depression)
- الاكتئاب الظرفي (Situational Depression)
- الاكتئاب غير النمطي (Atypical Depression)
طرق تشخيص الاكتئاب
يعتمد تشخيص الاكتئاب على التقييم السريري الذي يجريه الطبيب النفسي أو الأخصائي النفسي، حيث يبدأ بإجراء مقابلة نفسية شاملة لتقييم المزاج، التفكير، السلوك، التاريخ العائلي، والحالة الجسدية للمريض. لا يُشخّص الاكتئاب إلا إذا استمرت الأعراض أكثر من أسبوعين، وتسببت في خلل واضح في الحياة الاجتماعية أو المهنية للفرد. تُستخدم مقاييس نفسية مثل مقياس بيك للاكتئاب أو مقياس هاملتون لتقدير شدة الاكتئاب. وفي بعض الحالات، يتم إجراء فحوصات جسدية لاستبعاد أسباب عضوية (مثل فقر الدم أو اضطرابات الغدة الدرقية).
طرق علاج الاكتئاب
يُعالج الاكتئاب بفعالية باستخدام مزيج من العلاجات النفسية والدوائية حسب شدة الحالة، ومن أبرز طرق العلاج:
- العلاج النفسي (Psychotherapy):
- العلاج السلوكي المعرفي (CBT)
- العلاج الديناميكي النفسي
- العلاج التفاعلي أو الأسري
- العلاج الدوائي:
- مضادات الاكتئاب (SSRIs، SNRIs، TCAs)
- أدوية داعمة في بعض الحالات (مثل مثبتات المزاج أو مضادات القلق)
- العلاج السلوكي والأنشطة:
- تشجيع النشاط البدني
- إعادة دمج المريض في الأنشطة الاجتماعية
- العلاج بالصدمات الكهربائية (ECT):
- للحالات الشديدة أو المقاومة للعلاج الدوائي
- الدعم الاجتماعي والتعافي التدريجي:
- برامج دعم جماعية
- استشارات نفسية منتظمة
- دعم الأسرة والتثقيف النفسي
طرق الوقاية من الاكتئاب
رغم عدم وجود طريقة مضمونة للوقاية من الاكتئاب، إلا أن تبني نمط حياة صحي يمكن أن يساهم بشكل كبير في تقليل خطر الإصابة به. ويشمل ذلك الحصول على قسط كافٍ من النوم، اتباع نظام غذائي متوازن، وممارسة النشاط البدني بانتظام. كما أن الحفاظ على علاقات اجتماعية إيجابية وداعمة يُعد عاملًا مهمًا في تعزيز الصحة النفسية.
من الضروري أيضًا التعامل بشكل سليم مع الضغوط النفسية وتعلم مهارات التكيف الفعّالة. وعند ملاحظة علامات مبكرة مثل الشعور المستمر بالحزن أو فقدان الاهتمام بالأشياء، يُستحسن طلب المساعدة النفسية في وقت مبكر. أما في حال وجود تاريخ سابق من الاكتئاب أو القلق، فمن الأفضل المتابعة المنتظمة مع مختص نفسي للوقاية من الانتكاسات المحتملة.
في الختام
الاكتئاب ليس ضعفًا شخصيًا ولا حالة عابرة يمكن تجاهلها، بل هو اضطراب نفسي حقيقي يحتاج إلى اهتمام مهني وعناية شاملة. الفهم الصحيح له هو أول خطوة نحو تجاوزه، سواء عبر طلب المساعدة، أو دعم شخص مقرب يمرّ به.
مع العلاج والدعم المناسب، يمكن لمعظم المصابين بالاكتئاب أن يتعافوا ويعودوا إلى حياتهم الطبيعية، مع قوة نفسية أكبر ووعي ذاتي أعمق. في النهاية، التحدث عن الاكتئاب لا يدل على ضعف، بل على شجاعة ووعي، وهو بداية الطريق نحو الشفاء.
المصادر المستعملة في كتابة المقال
منظمات دولية وهيئات طبية
- Depressive disorder (depression)
- Depression (major depressive disorder) – Symptoms and causes – Mayo Clinic