
اضطراب اكتناز الطفولة: أعراضه وأسبابه وطرق علاجه
الفهرس
اضطراب اكتناز الطفولة هو حالة نفسية تُلاحظ في مراحل النمو المبكرة، وتتميز بقيام الطفل بالاحتفاظ بكميات كبيرة من الأغراض عديمة الفائدة أو القيمة، مع وجود مقاومة شديدة للتخلص منها. قد يشمل ذلك الألعاب المكسورة، الأوراق، العبوات الفارغة، أو حتى القمامة. هذا السلوك لا ينبع من حاجة فعلية للأشياء، بل من دافع داخلي قهري يرتبط غالبًا بالقلق، أو فقدان السيطرة، أو الحاجة إلى الشعور بالأمان.
ورغم أن جمع الأغراض يعد سلوكًا طبيعيًا في مرحلة ما من الطفولة، فإن الاكتناز يصبح اضطرابًا حين يسبب إعاقة في حياة الطفل، أو يعرّضه للخطر، أو يؤثر على بيئة الأسرة. التعرف المبكر على هذا الاضطراب يساعد في التدخل العلاجي وتجنب تطوره إلى حالات أكثر تعقيدًا في المراهقة أو البلوغ.
مفهوم اضطراب اكتناز الطفولة
اضطراب اكتناز الطفولة هو أحد أشكال اضطرابات السلوك القهري المرتبطة بصعوبة مستمرة في التخلص من الأشياء أو التخلي عنها، بغض النظر عن قيمتها الحقيقية. يشعر الطفل بالانزعاج أو القلق عند التفكير في التخلص من هذه الأغراض، وقد يبرر سلوكه بأن “كل شيء مفيد”، أو يخشى أن يندم لاحقًا على فقدان شيء قد يحتاجه. هذا الاضطراب يؤثر بشكل مباشر على بيئة الطفل؛ حيث تتراكم الأغراض في غرفته، أو في أجزاء من المنزل، وتتحول المساحة إلى فوضى غير قابلة للاستخدام.
في كثير من الحالات، لا يكون الطفل واعيًا تمامًا بأن سلوكه غير طبيعي، بل يرى أن ما يقوم به هو حق مشروع، أو وسيلة لتهدئة نفسه. وقد يُصاب بالغضب أو الذعر إذا حاول أحد الوالدين التخلص من مقتنياته. يندرج هذا الاضطراب في فئة الحالات النفسية المزمنة، وغالبًا ما يحتاج إلى علاج متخصص.
أعراض اضطراب اكتناز الطفولة
تتجلى أعراض اضطراب اكتناز الطفولة في شكل سلوكيات متكررة وملحة للاحتفاظ بالأغراض مهما كانت عديمة الفائدة. يبدأ الطفل بجمع الأشياء الصغيرة كالألعاب القديمة، الورق، الأكياس، أو قطع من الطبيعة مثل الحجارة أو الأوراق الجافة. بمرور الوقت، تتراكم هذه الأشياء في غرفته أو في أماكن خفية مثل الأدراج والخزائن. وعند محاولة الأهل تنظيم المكان أو التخلص من هذه الأشياء، يُظهر الطفل مقاومة شديدة، وقد يدخل في نوبة بكاء أو غضب أو يشعر بالذنب.
يواجه الأطفال المصابون صعوبة في اتخاذ القرارات بشأن ما يجب الاحتفاظ به وما يمكن التخلص منه، ويقضون وقتًا طويلًا في ترتيب أو نقل الأشياء دون أن يحققوا تنظيمًا فعليًا. وقد يُظهرون سلوكيات أخرى مرافقة مثل العزلة الاجتماعية، الحساسية المفرطة، القلق، أو حتى التأخر في المهارات التنظيمية. بعض الأطفال يتجنبون دعوة الآخرين إلى منازلهم بسبب الخجل من فوضى غرفهم، وقد تتأثر علاقاتهم بالأهل بسبب النزاعات المتكررة حول “التخلص من الأشياء”.
أسباب اضطراب اكتناز الطفولة
- عوامل وراثية: وجود تاريخ عائلي لاضطراب الاكتناز أو اضطرابات قهرية مشابهة.
- تجارب حياتية ضاغطة: مثل فقدان أحد الوالدين، الانتقال من منزل لآخر، أو التعرّض لحوادث مفاجئة.
- اضطرابات مرافقة: كالقلق العام، أو الوسواس القهري، أو اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة.
- ضعف المهارات التنظيمية: صعوبة في ترتيب الأفكار أو اتخاذ قرارات بشأن الممتلكات.
- الدعم العائلي المفرط أو المتساهل: عدم وجود حدود واضحة لتجميع الأغراض أو التساهل المفرط مع الطفل.
- حاجة عاطفية للتعلق: يستخدم الطفل الأشياء كوسيلة للشعور بالأمان أو لملء فراغ عاطفي.
- سلوك مكتسب: تقليد أحد الوالدين إذا كان هو أيضًا يعاني من سلوك الاكتناز.
أنواع اضطراب اكتناز الطفولة
- الاكتناز العاطفي: الاحتفاظ بأشياء تربطها الطفل بذكريات أو مشاعر خاصة.
- الاكتناز الانتقامي: يظهر بعد فقد شيء مهم، كوسيلة لتعويض الفقد.
- الاكتناز العشوائي: تكديس أي شيء دون تمييز أو هدف محدد.
- الاكتناز الانتقائي: الاحتفاظ بأنواع معينة فقط مثل الورق أو الألعاب أو الملابس.
- الاكتناز الرقمي (في الأطفال الأكبر سنًا): حفظ مئات الصور أو الملفات الرقمية دون تنظيم.
طرق تشخيص اضطراب اكتناز الطفولة
يُشخّص اضطراب اكتناز الطفولة عادة من خلال مقابلة سريرية يجريها أخصائي نفسي أو طبيب نفسي للأطفال، وتتضمن التقييم السلوكي للطفل وتحليل بيئته المنزلية. لا يعتمد التشخيص على وجود الفوضى فقط، بل يتطلب أن يكون الاكتناز متكررًا، ويؤثر بشكل واضح على الأداء اليومي للطفل أو علاقاته الاجتماعية.
من المهم التفرقة بين سلوك الجمع الطبيعي لدى الأطفال وسلوك الاكتناز القهري. يعتمد الأخصائي على معايير تشخيصية محددة، تتضمن وجود رغبة ملحة في جمع الأغراض، انزعاج شديد عند محاولة التخلص منها، وفقدان السيطرة على هذا السلوك. كما يتم استبعاد الحالات الأخرى مثل اضطراب طيف التوحد أو الوسواس القهري إذا وُجدت أعراض متقاطعة.
غالبًا ما يتم إشراك الأهل في عملية التقييم، سواء عبر الملاحظة المباشرة أو من خلال استبيانات سلوكية، وقد يُطلب منهم توثيق البيئة المنزلية (مثل غرفة الطفل) للمساعدة في التشخيص.
طرق علاج اضطراب اكتناز الطفولة
- العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يركز على تعديل الأفكار غير الواقعية المرتبطة بالأغراض وتعليم الطفل مهارات التخلّي والتنظيم.
- التدريب على اتخاذ القرار: تعليم الطفل كيف يقرر ما هو مهم وما يمكن التخلص منه.
- تعزيز مهارات التنظيم: مساعدة الطفل على ترتيب أغراضه بطريقة صحية وممنهجة.
- العلاج الأسري: إشراك الأسرة في فهم الاضطراب ودورها في عدم تمكين السلوك القهري.
- دعم نفسي فردي: جلسات مخصصة لدعم الطفل نفسيًا وتعزيز ثقته بنفسه بعيدًا عن ممتلكاته.
- استخدام الجداول والمكافآت: لتشجيع التخلص التدريجي من الأغراض الزائدة بطريقة إيجابية.
- العلاج الدوائي: في بعض الحالات المصاحبة لقلق شديد أو اضطراب مزاج، يتم استخدام أدوية مناسبة بإشراف طبي.
طرق الوقاية من اضطراب اكتناز الطفولة
الوقاية من اضطراب اكتناز الطفولة تبدأ من مرحلة الوعي الأبوي المبكر، فتعليم الطفل كيفية اتخاذ قرارات بشأن الاحتفاظ بالأشياء أو التخلص منها يعزز استقلاليته النفسية. من المهم مساعدة الطفل على التعامل مع مشاعره بدلًا من ربط الأمان بالأشياء. يجب خلق بيئة منزلية منظمة لا تبالغ في جمع الأغراض، وتوجيه الطفل نحو ممارسة أنشطة بديلة تُشبع حاجاته النفسية والاجتماعية.
كما يُنصح بمراقبة السلوك مبكرًا، خاصة إذا ظهرت علامات على التعلق المفرط بالممتلكات، أو إذا كان هناك تاريخ عائلي لاضطرابات قهرية. كلما كان التدخل مبكرًا، زادت احتمالية الاستجابة للعلاج وتحسن نوعية حياة الطفل.
في الختام
اضطراب اكتناز الطفولة حالة نفسية قابلة للعلاج، لكنها قد تتفاقم إذا لم يُعترف بها مبكرًا. السلوك المتراكم لدى الطفل ليس مجرد فوضى، بل هو انعكاس لاحتياج نفسي يحتاج إلى فهم وتدخل متخصص. عبر العلاج السلوكي، والدعم الأسري، والتعليم العاطفي، يمكن للطفل أن يتعلم كيف ينظّم محيطه ومشاعره بطريقة صحية.
💬 إذا لاحظت على طفلك صعوبة في التخلص من الأغراض، أو بدا مفرط التعلق بأشياء بسيطة، فقد يكون الوقت مناسبًا للتواصل مع مختص نفسي. جلسة واحدة قد تصنع فرقًا كبيرًا في حياة أسرتك.
المصادر:
Child Hoarding: Identifying & Treating Hoarding in Children | Child Mind Institute
Three Reasons why Studying Hoarding in Children and Adolescents is Important – PMC
Hoarding Disorder in Children – A Quick Guide – Child Mind Institute
Hoarding can start in childhood – here’s why early intervention is so crucial for all age groups